بورسعيد والنفوذ الأجنبي وقتها وتعداد أفراد الجاليات الأوربية حقائق واقع الحياة الأجنبية قبل العدوان

حتى يتوصل الى استنتاج العوامل السكانية والديموغرافية والأجتماعية والأقتصادية الثانوية التى لعبت دورها بشكل كبير فى تكملة العوامل العسكرية ادت الى اختيار بورسعيد كنقطة غزو لنزول القوات الأنجلوفرنسية ، لا بد من تقديم للقارئ ملخص عن صورة الحياة فى مدينة بورسعيد كأحد مدن القناة الرئيسية ، قبل التأميم وحتى يوم الغزو لكى يتبين القارئ فى النهاية ، مدى الخطأ الذى وقع فيه أركان حرب ومخططى العمليات العسكرية الأنجلوفرنسية عندما اعتقدوا أن العامل الديمغرافى سيساعد حملتهم وسيؤدى الى انقلاب السكان على السلطات المصرية

لم تكن بورسعيد مدينة مصرية حقا ، فقد كانت حكومة مصر تملك 14 فدانا فقط فى بورسعيد حتى وقت تأميم شركة قناة السويس والباقى كانت تملكه شركة القناة والشركات الأجنبية بما فى ذلك مدينة بورفؤاد التى كانت تمتلكها الشركة بالكامل ، علاوة على شبكة خطوط تليفونية مخصوصة تتبع النظام الفرنسى ولم يكن يمكن الأتصال بها لأى مواطن على خلاف بقية أجزاء القطر المصرى ،

وكانت سياسة شركة القناة قبل التأميم تهدف بل نجحت فى تحويل الممر الملاحى للقناة الى دولة داخل الدولة وليس هذا فقط بل نجحت فى تحويل القناة الى دولة تعمل فى الدرجة الأولى لصالح الأجانب وغالبا ضد مصلحة مصر ، وهذا ما أكدته الوثائق والمستندات التى تمت مصادرتها ليلة التأميم يوم 26 يوليو 1956 عندما اقتحمتها المجموعة التى أوكلها الرئيس جمال عبدالناصر تحت قيادة المهندس محمود يونس بالقيام بالسيطرة على أدارة القناة (1)

كانت بورسعيد صورة صارخة للحياة التى صنعتها الشركة على ضفاف القناة ، ولم تختلف فى ذلك عن الإسماعيلية أو السويس ومدنى بورفؤاد وبورتوفيق، والتى كانت مدنها تعيش حياتين كل منفصل عن الأخرى تماما

وكانت أغلبية السكان تسكن فى أحياء العرب والقابوطى والمناخ وعزبة فاروق ، بينما كانت الجالية الأجنبية تسكن فى منطقة الأفرنج وبورفؤاد فى بيوت تعلوها القرميد الأحمر ( صورة من البيوت الأوربية ) تمتلكها شركة القناة حتى فى وسط المدينة نفسها وعلى المثال فقط منطقة السكن الممتدة شرق شارع محمد على بين امتداد شارع وشارع الحميدى حتىما خلف شارع سليم والتى كان يسكنها عمالها من اليونانيين والأيطاليين ومعظم منازل منطقة المساكن فى الحى الأفرنجى

- كان تعداد أفراد الجاليات الأوربية والأجنبية فى بورسعيد الذى وصل الى حوالى خمسون 50 ألف أجنبيا من مجموع عدد سكان المدينة وقدره وقت التأميم 129 ألف كانوا يتمتعون بكل المزايا فى بورسعيد

- كانت بورسعيد تعكس الحياة الأوربية بشكل أغلبى واضح جعلت مخططى الهجوم على بورسعيد واختيارها كنقطة نزول توقعهم لقيام الأوربيين القاطنين فى المدينة بمساعدة أى محاولات للمحافظة على تمتعهم بمزاياهم واتخاذ جانب العدوان بشكل مباشر أو متخبئ

- تدل طريقة تقسيم المدينة الهندسى ( والذى يعتبر من أحدث طرق التخطيط العالمية للمدن ) وتسمية أحيائها وشوارعها على طبيعة الوضع السائد فى المدينة وقتها ، فحى الأفرنج يشمل جميع المبانى المتواجدة شرق شارع محمد على بينما يقع حى العرب على المنطقة غرب شارع محمد على

- كانت أهم الشوارع الرئيسية تحمل اسماء أجنبية شارع ديليسبس ( سعد زغلول )شارع الملكة أوجينى ( صفية زغلول ) كتشنر ( شارع الجيش ) وهكذا ، واننى اتذكر أنه كان يتواجد تمثال للملكة أوجينى أمام مدخل بوابة الجمرك الموجودة فى نهاية شارع أوجينى تم ازالته فى بداية الخمسينيات عند توسيع المكان أمام المدخل , تمثالا صغيرا لفرديناند ديليسبس فى الفيلا التى كان يسكنها فى شارع توفيق بالقربمن مكتبة دحروج علاوة على منصبه التذكارى على مدخل ميناء بورسعيد فى بداية القناة والذى نسفه يحي الشاعر وشقيقه عبدالمنعم كما سنبين فيى حينه(1) علاوة على العديد من النصب التذكارية مثل نصب الجندى المجهول للوحدات الأسترالية الراكبة الذى حطمته جماهير الشعب بعد نسف تمثال ديليسبس بل بدأو فى فى نفس الوقت بتحطيمه

- قسم شارع محمد على المدينة بالعرض من الجنوب الى الشاطئ فى الشمال حى الأفرنج على الجهة الشرقية للشارع بينما حى العرب والمناخ والقابوطى والعزب على الجهة الغربية منه

- تتبعت تسمية اقسام البوليس هذا التقسيم التفضيلى الأنحيازى ، قسم أول ( قسم الأفرنج) وقسم ثانى ( قسم العرب )

- يدل تقسيم المدينة على التحيز والتفضيل الأجتماعى التفصلى تواجدت على الجهة الغربية من شارع محمد على فى المنطقة الواقعة بين منطقة الجميل

- منطقة المقابر المختلفة بما فيها مقابر الجنود البريطانيون

- محطة واحواض تنقية المجارى

- جميع عشش الصفيح فى منطقتى المناخ وعزبة القابوطى على بحيرة المنزلة وعزبة فاروق على موازاة القنال الداخلى

- تواجد الكثير من مزارع الخنزير فى منطقة المناخ بالقرب من مبنى المذابح

- مبانى المذابح وتجميع القمامة بما فى ذلك قمامة المعسكرات التى كان يعيش عليها الكثير من العائلات الفقيرة التى حضرت الى المدينة من جنوب القطر

- منطقة سكان حى العرب التى كان يسكن فيها الكثير الغالب من العمال الذين يعملون فى شركات تعتمد فى اكتساب رزقها على القناة والملاحة فيه والصيادون والحمالون وعمال الشحن والتفريغ والموظفين والتجار وجميع بقية تشكيلات الشعب ، علاوة على الأفواج التى كانت تقذفها يوما وراء يوم مراكب البحيرة القادمة من دمياط والمطرية والمنزلة وراء فرص العمل والأفواج الأخرى التى كان يقذفها قطار الصعيد من اسيوط وسوهاج واسوان والنوبة بحثا عن اكتساب لقمة العيش

بيما كانت تقطن فى حى الأفرنج جميع عائلات الجاليات الأجنبية وغالبية عائلات الطبقة المتوسطة المصرية علاوة على تواجد المحلات التجارية ذات المستوى العالى

ولم يختلف وضع مدن القناة فى الأسماعيلية أوالسويس عن أن تكون فى ذلك صورة عن الأوضاع مطابقة للوضع فى بورسعيد تماما




د. يحى الشاعر


مقتطف من سطور كتابى
" الوجه الآخر للميدالية، حرب السويس 1956 ،
أسرار المقاومة السرية فى بورسعيد"
بقلم يحى الشاعر
الطـبعة الثـانية 2006
طبعة موسعة
رقم الأيداع 1848 2006
الترقيم الدولى ISBN 977 – 08 – 1245 - 5





د. يحى الشاعر


مقتطف من سطور كتابى
" الوجه الآخر للميدالية، حرب السويس 1956 "
أسرار المقاومة السرية فى بورسعيد"
بقلم يحى الشاعر
الطـبعة الثـانية 2006
طبعة موسعة
رقم الأيداع 1848 2006
الترقيم الدولى ISBN 977 – 08 – 1245 - 5


طابع دار الأخبار - 6 أكتوبر القاهرة
حقوق الطبع والنشر جميع الحقوق محفوظة للمؤلف