حـقـائق مـصـر HAKAEK-MISR

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حـقـائق مـصـر HAKAEK-MISR

حقائق وأسرار ووثائق حروب مصر مع إسرائيل.. من ألعدوان ألثلاثي 1956 حتي حرب ألعبور ألخالدة 6 أكتوبر 1973


    عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية

    avatar
    د. يحي الشاعر


    المساهمات : 201
    تاريخ التسجيل : 30/12/2019

    عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية Empty عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية

    مُساهمة من طرف د. يحي الشاعر الخميس مايو 07, 2020 12:25 pm

    عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية










    هناك أشخاص ، تربطك بهم علاقة أبدية....

    تبقي ذكراهم "نسيم عاطر" لك حتي بعد رحيلهم ، وتتذكرهم كل مرة تقرأ إسمهم ، أو سطور وقصص عن أعمالهم ... بينما تحتفظ لنفسك بأسباب إعتزازك بهم ، وتقديرك وإحترامك ومحبتك لهم

    لقد أوفيت هنا بحق "العديد" من الشخصيات "التاريخية" ... ولكن ، هناك شخص يجب علي أن أعطيه ، وذكراه ما يستحقان من التقدير والمحبة

    ويأتى الأن ... الوقت ... لكي أنشر عنه وعن بعض "بطولاته" ... وأبدأ بما هو معروف عنه ، وسأكتمل الموضوع بالعديد من المعلومات عن العديد من بطولاته

    محمد نسيم .... "الأسد" ..... و "الذئب" .... الذي ينسي البعض أنه كان ايضا "ثعلبا"

    فشلت "الموساد" سنوات طويلة في إكتشاف أمره ... إلي أن جاء الوقت ... ليواح الستار وتظهر شخصيته للعالم أجمع .... رمز "التحدي المصري"

    لقد كان رجل فى "أخلاقه" .... بطل فى "أعماله" .... وعادلا في "معاملته" ......

    وأخ كبير حنون

    رحمه الله وأسكنه واسع جناته


    د. يحي الشاعر


    عملية عبد الحميد السراج ..

    ولكن ما هى تفاصيل تلك العملية ..

    محمد نسيم اسد المخابرات الاسمر...حياته وبطل لن ينسي

    على عبد الحميد السراج .. ضابط جيش سورى .. معروف جدا .. فهو أحد الضباط الوطنيين النوابغ فى سوريا والذى نأى بنفسه عن كم الانقلابات الرهيبة التى تتابعت فى سوريا على يد حسنى الزعيم .. وأدب الشيشيكلى .. وسامى الحناوى .. ومصطفي حمدون .. وغيرهم من نجوم انقلابات سوريا العسكرية فى الفترة التى أعقبت التحرير على يد شكرى القويتلى ..

    وبدأ ظهور عبد الحميد السراج عقب التزامه بالخط الوطنى .. قبيل الوحدة مع سوريا .. ولمع اسمه فى مصر عند عبد الناصر نفسه عقب قيامه باسداء جميل العمر الى مصر كلها .. وهو الجميل الذى لم تنسه له مصر وقيادتها ..

    فعبد الحميد السراج هو رجل المخابرات العسكرية السورى الذى تولى تدمير خطوط أنابيب البترول الممتدة من العراق عبر سوريا الى سواحل البحر المتوسط لتصب فى الناقلات البريطانية لتغذية احتياجات بريطانيا من البترول ... وكانت هذه العملية أثناء تعرض مصر للعدوان الثلاثي .. ليصبح تدمير خطوط أنابيب البترول الشعرة التى قصمت ظهر البعير وكان البعير هنا هو أنتونى ايدن رئيس الحكومة البريطانية والذى قدم استقالته عقب فشل عدوان السويس عام 56 ..

    وكان طبيعيا مع بدء الوحدة المصرية السورية عام 1959م .. أن يلمع نجم عبد الحميد السراج أكثر وأكثر فتدرج فى السلطة حتى ولاه عبد الناصر نيابة القسم الشمالى وهو سوريا ليصبح نائبا لرئيس الجمهورية السورية ومع العلاقة الوثيقة التى جمعته بعبد الناصر خاصة بعد عملية أنابيب البترول وأيضا كشفه للمؤامرة التى استهدفت حياة عبد الناصر أثناء زيارته لسوريا عقب الوحدة ..

    من هذا كله تمكن عبد الحميد السراج من السيطرة ليس فقط على الأمن الداخلى كوزير للداخلية فى الاقليم الشمالى وتولى نيابة الرياسة بل سيطر أيضا على المخابرات وأجهزة الاقتصاد والتنظيم السياسي الوحيد وهو الاتحاد الاشتراكى ليصبح عبد الحميد السراج أقوى رجل فى سوريا بأكملها ..

    ولأن السلطة المطلقة مفسدة فى كل الأحوال .. فقد تغلبت أجواء السلطة على نقاء السراج .. لتتدهور الأمر أكثر وأكثر خاصة بعد فشل الوحدة المصرية السورية عام 1961 م .. وأتت نهاية عبد الحميد السراج على يد الانقلاب الذى أطاح به من قمة الحكم السورى .. عندما غفل عن ضابط الجيش السورى ومدير مكتب عبد الحكيم عامر الذى كان يتولى الرياسة فى الاقليم الشمالى للوحدة وكان هذا الضابط هو عبد الكريم النحلاوى .. والذى استهان به السراج فتمكن النحلاوى من قيادة تنظيم سري فى الجيشش ضده وأطاح به وطرد عبد الحكيم عامر من سوريا فى فضيحة مدوية .. ليتم اعتقال السراج فى أبشع المعتقلات السورية وهو " سجن المزة "

    وكان وقع الصدمة مدمرا على عبد الناصر ..

    الا أنه سلم بالأمر الواقع ونفض موضوع الوحدة مؤقتا وألقي بصره على مصير السراج المظلم فى أيدى خصومه المتعدديبن ..

    فالسراج كان له أعداء فى القوات المسلحة السورية وهى منفذة الانقلاب عليه ..

    وله عداوات رهيبة فى لبنان نتيجة لتدخله فى الشأن اللبنانى عندما اقتضت الظروف ذلك

    وله عداء قديم وثأر رهيب عند أصحاب مؤامرة اغتيال عبد الناصر ..

    اضافة الى عداء تقليدى من الموساد والمخابرات الأمريكية ورجالهما بلبنان ..

    فلك عزيزى القارئ أن تتخيل كيفية المصيدة التى وقع فيها السراج .. ولك أن تتخيل أكثر .. كيف يمكن تحقيق المستحيل وانقاذه منها ..

    أرسل عبد الناصر الى محمد نسيم وكلفه بانقاذ السراج مهما كان الثمن ..

    وكلمة مهما كان الثمن فى عرف العمل المخابراتى تعنى أنه لا مستحيل ..

    وسافر نسيم منفردا الى لبنان لهذا الغرض .. وفى تلك اللحظة كان السراج يهرب من سجن المزة الرهيب بمعاونة عدد من ضباط الجيش الذين كانوا لا يزالون على ولائهم للسراج .. وانتقل فيما يشبه المعجزة وعبر رحلة شاقة ووعرة الى لبنان ليلقي خبر هروبه قد سبقه الى لبنان وعشرات الذئاب الجائعة فى انتظاره ..

    وكشف الموساد وجود نسيم فى لبنان .. وكذلك كشفه اللبنانيون .. وغيرهم ..

    وتعرض فى تلك المهمة فقط لتسع محاولات اغتيال نجا منها جميعا كان آخرها عن طريق وضع قنبلة فى أنبوب العادم بسيارته وكانت تلك المحاولة غير قابلة للفشل لأن تلغيم السيارات كان من المعروف أنه يكون عن طريق تلغيم المقعد أو المحرك أو جسم السيارة السفلى ..

    أما وضع القنبلة فى أنبوب العادم فهو الابتكار غير قابل للكشف .. ومع ذلك فقد اكتشفها نسيم .. وفشلت المحاولة .. بل ونجح فى الخروج بالسراج من لبنان الى مصر وللأسف الشديد فكيفية الخروج ما زالت قيد السرية الى يومنا هذا ..

    ونال السراج مكانه فى مصر آمنا مطمئنا ..

    تذكر عبد الناصر قصة هذه العملية وهو يتحدث الى نسيم .. وكان نسيم يتساءل عن سبب استدعائه ليقول له عبد الناصر أنه رقد طريح الفراش بعد اعلان اسرائيل عن بدء عمليات التنقيب عن البترول فى سيناء فى اشارة واضحة الى أن سيناء قد أصبحت اسرائيلية لتذل القيادة المصرية ..

    وبرقت عينا نسيم غضبا .. وعاجله عبد الناصر وهو يقول له فى مرارة .. " الحفار يا نسيم " ..

    فنهض نسيم واقفا .. وقال له فى حزم " أمرك يا سيادة الرئيس " ..

    وبدأت عملية الحج ..

    محمد نسيم - ذئب المخابرات الاسمر

    هذه الشخصية الفريدة .. اللواء محمد نسيم .. وكيل المخابرات العامة الأسبق بمصر .. ووكيل أول وزارة السياحة المصرية فى نهاية الثمانينات

    هذا الرجل الأسطورة المجهول دورا وعظمة لدى الكثرة الغالبة من أبناء مصر .. مصر التى فداها وذاد عن حياضها كأكمل ما يكون الجهاد ..

    رحمه الله من فارس .. ورحمه الله من عقلية جبارة ..

    من هو .. ؟!!

    هو أحد ضباط الجيش المصري الذين انضموا لتنظيم الضباط الأحرار .. وشارك ضمن الصف الثانى من رجال الثورة ..

    ومع بدء التفكير فى انشاء جهاز مخابرات مصري فى أوائل عام 1954م .. قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتكليف أحد رجال الثورة وهو فتحى الديب بتولى هذا الأمر فنشأت لجنة تابعة للجيش تقوم بأعمال التجسس والتخابر .. ثم تطور الأمر مع ازياد الحاجة الى جهاز مخابرات محترف على نفس النسق العالمى الذى ظهر فى الحرب العالمية الثانية .. والذى كانت لأجهزة المخابرات الفضل الأول ان لم يكن الوحيد فى انهائها لصالح الحلفاء ..

    أسند الرئيس جمال عبد الناصر الأمر اى زكريا محيي الدين وعلى صبري .. ليخرج الى الوجود جهاز المخابرات المصري .. ولكنه ولأنه جهاز ما زال يبحث عن هوية الاحتراف .. لذا تكلف انشاؤه من الجهد والوقت ما يفوق التصور فى وسط أجهزة معادية عملاقة كالموساد الذى تأسس قبل اعلان دولة اسرائيل أساسا وكان رجاله وضباطه من المحترفين الذين خاضوا غمار الحرب العالمية الثانية واكتسبوا الخبرة الطاغية التى افتقد اليها المصريون ..

    لكن .. ولأن المقاتل المصري بطبعه كاره للهزيمة والاستسلام ولا يعرف معنى المستحيل .. تمكن الرعيل الأول من الضباط الذين كونوا لبنة الجهاز الأولى من جمع الكثير من المراجع وكتابات الخبراء وعكفوا بصبر مدهش على دراستها واستخلاص ذلك العلم الغزير نحتا فى الصخر ..

    وكان هذا الرعيل .. عدد من ضباط القوات المسلحة الشبان من من يمتلكون شجاعة وجسارة المقاتلين مع الذكاء الفطرى ..

    ومنهم على سبيل المثال .. فتحى الديب .. وعبد المحسن فائق .. وحسن بلبل .. وعبد العزيز الطورى .. وصلاح نصر وبطلنا .. البكباشي " المقدم " فى ذلك الوقت .. محمد نسيم الفهد الأسمر ..

    كان محمد نسيم من ذلك الطراز من الرجال الذى يمتلك قلب أسد كما أطلق عليه رفاقه .. وعقل الثعلب .. وصبر الجمال .. واصرار الأفيال ..

    كان نادرا بحق .. رحمه الله وطيب ثراه ..

    وعندما تولى اللواء صلاح محمد نصر الشهير بصلاح نصر رياسة جهاز المخابرات العامة كان محمد نسيم أحد مديري العمليات بالجهاز ورجل المهام الصعبة ويكفي لبيان مدى سمعته الخرافية أن رئيس الجمهورية كان يتصل به مباشرة فى عدد من العمليات فائقة الحساسية وما أكثرها فى ذلك الوقت ..

    وفى بداية الستينيات كان جهاز المخابرات العامة مكتمل البناء .. وخاض العديد من العمليات العملاقة فى تاريخه ضد المخابرات الاسرائيلية والأمريكية .. وللحق ..

    فان انشاء الجهاز على صورته تلك .. كان لجهود رجاله وادارة صلاح نصر رئيس الجهاز على الرغم من انحرافه فيما بعد نتيجة للسلطة المطلقة التى تمتع بها فى ظل حماية المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية وقائد الجيش المصري وبطل فضيحة النكسة المريرة ..

    وكانت أولى عمليات محمد نسيم التى أكسبته سمعته الرهيبة بين رفاقه .. اعادة تأهيل العميل المصري الأشهر " رفعت الجمال " الشهير باسم " رأفت الهجان "

    كان رفعت الجمال قد سافرالى اسرائيل فى منتصف الخمسينيات واستقر بها بعد أن نجح فى زرعه رجل المخابرات العتيد اللواء " عبد المحسن فائق " المعروف باسم " محسن ممتاز فى المسلسل الشهير الذى حكى قصتة .. ومنذ أن تم زرعه فى اسرائيل وحتى بداية الستينيات لم تستفد منه المخابرات المصرية شيئا الا المعلومات التى أرسلها فى حرب العدوان الثلاثي .. وللحق فلم يكن هذا تقصيرا من رفعت الجمال .. أو معلمه عبد المحسن فائق .. بل كانت الظروف أقوى منهما لضعف الامكانيات التدريبية التى تلاقاها رفعت وكان جهاز المخابرات لم يزل وليدا فى ذلك الوقت ..

    وعلم المخابرات تطور تطورا مدهشا وسريعا عبر السنوات الخمس التى أمضاها رفعت فى اسرائيل فكانت الحاجة ماسة الى رجل مخابرات من طراز فذ يتمكن أولا من السيطرة على رفعت الجمال صاحب الشخصية شديدة العناد ويقوم بملئ الفراغ الذى تركه اللواء عبد المحسن فائق فى أعماقه .. وذلك حتى يتمكن من اقناعه بمواصلة التدريب والعمل ..

    وكان ضابط الحالة الذى تولى عملية الجمال هو عبد العزيز الطورى الشهير باسم " عزيز الجبالى " .. وبعد دراسة عميقة لشخصية رفعت .. ومع استحالة عودة اللواء عبد المحسن فائق من مقر عمله فى الولايات المتحدة فى ذلك الوقت .. لم يجد عبد العزيز الطورى الا قلب الأسد محمد نسيم المعروف بصرامته وشخصيته القوية ونبوغه الفائق وهو النموذج المماثل لعبد المحسن فائق ..

    وتم اللقاء بين قلب الأسد وبين رفعت .. ولم تمض ساعات على لقائهما الا وكان محمد نسيم وهو بالمناسبة الشهير باسم " نديم هاشم " فى مسلسل " رأفت الهجان .. وقام بدورة باقتدار بالغ الفنان المصري نبيل الحلفاوى فى واحد من أعظم أدواره على الاطلاق لا سيما وأن نبيل الحلفاوى كان يشبه اللواء محمد نسيم فى الشكل والأداء الى درجة مذهلة ..

    لم تمض ساعات على اللقاء بين العملاقين رفعت ونسيم .. الا وكان نسيم قد ألقي بغياهب شخصيته الفريدة فى وجه المتمرد النابغة رفعت الجمال ..

    وكان رفعت الجمال قد أبصر بعيونه عبر المعايشة لليهود . كيفية التقدم المدهش هم فى مجال الأمن .. وكان فى أمس الحاجة الى من يريه تفوق بلاده .. وقد كان .. تمكن نسيم عبر التدريبات المكثفة من اقناع رفعت بمدى التقدم المدهش الذى أحرزه المصريون على الاسرائيليين فى المواجهات المباشرة بينهما ..

    وبعد أسبوعين من التدريب المستمر والشاق ..

    خرج رفعت الجمال فى مستوى ضابط حالة وهو المستوى الأعلى لأى عميل مدنى فى نظم المخابرات .. ووقع تحت الاشراف المباشر لعبد العزيز الطورى وللتدريب على يد محمد نسيم لتكتسب مصر كما رهيبا من المعلومات باغة السرية التى أرسلها رفعت لا سيما بعد تمكنه من بسط علاقاته ونفوذه فى مجتمع تل أبيب بتعليمات نسيم عبر شركة " سي تورز " والمعروفة باسم " ماجى تورز "

    وفى قلب تل أبيب واصل نجم المجتمع الاسرائيلي " جاك بيتون " وهو الاسم المستعار

    لرفعت الجمال وهو الاسم الذى عرف فى المسلسل بـ " دافيد شارل سمحون " .. وبلغت علاقاته حدا جعله صديقا شخصيا للجنرال موشي ديان وجولدا مائير رئيسة الوزارة الشهيرة ..

    كل هذا بفضل نبوغ رفعت الشخصي .. وبراعة معلمه الفذ " محمد نسيم " .. ومن قبل هذا وذاك النصرة الالهية لأناس نصروا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم


    الصدمة ..

    كانت نكسة 67 .. مدمرة فى آثارها الى حد رهيب على العالم العربي أجمع ..

    الا أنها كانت ذات تأثير صاعق على الأسود الرابضة فى عرين المخابرات العامة المصرية الكائن فى حى حدائق القبة بالقاهرة الواقع خلف قصر القبة الشهير ..

    ولكى تتأملوا الأثر وتقدروه ..

    يكفي أن تعلموا أن مصر كلها ذاقت الهزيمة الا هذا الجهاز كان هو المنتصر على أى مقياس منطقي ..

    فقد تكفل رجاله ونجومه وعلى رأسهم رفعت الجمال بمعرفة كل التفاصيل الدقيقة والخرائط لخطة الحرب العسكرية فى 67 .. وقاموا بارسالها الى قيادتهم السياسية المغيبة .. ليفاجئ الأبطال بالنكسة وهم الذين كادوا يعطون قياداتهم أسماء الجنود والقادة من العدو اسما اسما لو طلبوا اليهم ذلك ..

    ولكن لعوامل كثيرة .. ليس هذا مكانها وقعت الواقعة وانهزمت مصر هزيمة ساحقة كادت تعبر بها حافة اليأس لولا توفيق الله والارادة الفولاذية التى قدت من الصخر ..

    وبدأت معارك الاستنزاف .. وتزلزلت القوات الاسرائيلية بكم العمليات الصادمة التى انتقت عيون أسلحة ورجال العدو مع المعلومات الغزيرة التى تولاها الرجال فى المخابرات العامة .. وذلك بعد تطهير الجهاز من قياداته المنحرفة ..

    وتولى محمد نسيم وأمين هويدى مسئولية اعادة الأمور الى نصابها فى جهاز المخابرات العامة عقب النكسة ..

    وأرسل عبد الناصر الذى كاد الندم يقتله .. الى محمد نسيم .. وتواعدا بالحديث وتقاسما الهم سويا ليتذكر عبد الناصر مدى قدرة الأسد الرابض أمامه وذكره باحدى عملياته التى لاقت شهرة واسعة على الرغم من سرية أعمال المخابرات فى العادة ..

    عملية الحج :الحفار كيتنج"

    كانت واقعة نية اسرائيل التنقيب عن البترول فى سيناء كما سبق القول نية سياسية لا اقتصادية .. وقد بعثت الى احدى الشركات الكندية لاستقدام أحد أكبر الحفارات فى العالم لاستخدامه فى التنقيب وهو الحفار " كينتج " ..

    وقد خططت اسرائيل بدقة لهذه العملية .. وقامت عمدا باستيراد هذا الحفار الكندى والذى تجره قاطرة هولندية وعليه بحار بريطانى .. لكى تعجز مصر عن ضرب الحفار بالطيران عند اقترابه من البحر الأحمر .. لأن مصر اذا غامرت بضرب الحفار علانية فمعنى هذا أنها استعدت عليها ثلاث دول كبري على الأقل ..

    ولأنها تعلم تماما أن المخابرات العامة لن تترك الحفار .. فقد احتاطت للأمر وقامت بتأمين الخطوط الملاحية للحفار القادم عبر المحيط الأطلنطى الى رأس الرجاء الصالح ثم البحر الأحمر .. وقامت بانتقاء خطوط سير ملاحية بالغة السرية وغير مألوفة .. كما جند الموساد رجاله وأجهزته بمعاونة المخابرات المركزية الأمريكية لمصاحبة الرحلة وحماية الحفار ..

    لكن من قال ان المصريين يعرفون المستحيل ..

    شكل محمد نسيم فريق عمل من أفضل رجال المخابرات العامة وخبراء الملاحة وضباط القوات البحرية .. لتبدأ عمليه الحج .. وكان سبب تسميتها مزامنه أحداثها لموسم الحج

    وقام محمد نسيم بتجنيد عملاء المخابرات العامة فى الدول التى سيمر الحفار عبر سواحلها وأعطى أوامر بضرورة التفرغ لهذه العملية .. وقام باستقدام فريق من أكفأ رجال الضفادع البشرية التابع للبحرية المصرية .. حيث استقرت الخطة على زرع متفجرات شديدة التدمير فى قلب البريمة الرئيسية للحفار لابطال مفعوله ..

    وبدأت لعبة القط والفأر بين نسيم ورجال الموساد ..

    وهناك .. فى أبيدجان الميناء الشهير لدولة ساحل العاج .. كان الحفار قد ألقي مراسيه بأمان للراحة .. وعلى الفور وبناء على الاستنتاجات المسبقة بعقله الفذ الذى أدرك أن أبيدجان هى الميناء المثالى الذى سيرسو عنده الحفار .. قام بحمل المتفجرات بنفسه ودار بها عبر أوربا وساحل افريقيا الشمالى وحط رحاله فى أبيدجان ولا أحد يعرف كيف تمكن من عبور مطارات خمس أو ست دول وهو يحمل هذه المتفجرات ..

    وكان فريق العمل أبطال البحرية قد سلك طريقا مماثلا عبر عدة عواصم أوربية حتى أبيدجان .. وفى فجر يوم العملية وصل الفوج الأول من الضفادع البشرية .. وبينما الكل فى انتظار الفوج الثانى علم محمد نسيم من مصادره فى أبيدجان أن الحفار فى طريقه لمغادرة ساحل العاج صباح اليوم التالى .. ليطير عقل محمد نسيم .. ويتخذ قراره بتنفيذ العملية بنصف الفريق فحسب .. وكان الحل السريع أن يكتفي نسيم بزرع المتفجرات تحت البريمة الرئيسية وأحد الأعمدة فحسب بديلا عن الخطة الرئيسية بتفجير البريمة والأعمدة الثلاثة

    وفى الفجر .. تسلل الأبطال تحت اشراف نسيم الى موقع الحفار وخلال ساعة واحدة كانت المتفجرات فى أماكنها .. ومضبوطة التوقيت على السابعة صباحا .. وخلال هذه الفترة أشرف نسيم بسرعة فائقة على سفر مجموعة العمل خارج ساحل العاج واستقبال المجموعة التى كان مقررا وصولها فى الصباح لتحط فى أبيدجان بطريقة الترانزيت وتكمل رحلتها خارج أبيدجان ..

    وبقي نسيم وحده ينتظر نتيجة العملية .. ومن شرفة فندقه المطل على البحر أخذ يعد الدقائق والثوانى التى تمضي ببطء قاتل .. حتى التقا عقربا الساعة عند السابعة صباحا ليتعالى دوى الانفجارات من قلب البحر .. ويصبح الحفار أثرا بعد عين فى الانفجار الذى هز أبيدجان ..

    لكنه كان كالموسيقي الكلاسيكية فى أذنى نسيم ...

    والذى تأمل الحفار المحطم .. لترتسم ابتسامة نصر مشرقة ومألوفة على الوجه الأسمر الصارم ..

    وبعدها توجه نسيم الى أحدى مكاتب البريد ليرسل تلغرافا الى جمال عبد الناصر يقول له كلمتين فحسب " مبروك الحج "

    هذا هو محمد نسيم أو نديم هاشم كما عرفه المشاهدون العرب فى المسلسل التليفزيونى الشهير " رأفت الهجان " والذى كتب قصته الأديب الراحل صالح مرسي وأخرجه المخرج يحيي العلمى .. لتنفجر الحماسة فى الشعوب العربية من المحيط الى الخليج

    اعجابا بهؤلاء الأبطال الذين قدموا لأوطانهم أسمى معانى الفداء ولم ينتظروا حتى مجرد كلمة شكر ..

    أسود المخابرات العامة المصرية الأفذاذ .. العاملون فى صمت .. النائمون فى قلب الخطر .. رواد العظمة ..

    ونجمهم رجل المستحيل محمد نسيم الذى اتخذ دوره الى جوار زملائه فى حرب أكتوبر ليتمكن جهاز المخابرات العامة من احاطة ترتيبات الحرب بالسرية الكاملة حتى ساعة الصفر القاتلة للعدو ..

    لتخرج المراجع العالمية معترفة بانتصار المخابرات العامة المصرية على جهاز المخابرات الأمريكى والسوفياتى والاسرائيلي والبريطانى ..


    عندما يترجل الفارس

    ومع بداية الثمانينيات .. وبعد عشرات العمليات الناجحة وشهرة واسعة .. نالها الفهد الأسمر المصري اللواء محمد نسيم .. اعتزل البطل العمل السري ليخرج من جهاز المخابرات الى وظيفة مدنية كوكيل لوزارة السياحة المصرية ..

    وفى عام 1998م ..

    أسلم الفارس البطل .. روحه وجاد بأنفاسه الأخيرة بعد رحلة مثمرة فى محراب البطولة تتوارى الى جوارها صفحات التاريخ خجلا ..

    وتقدم جنازة البطل كبار رجال الدولة .. والعامة فى ميدان التحريرالذى يقع فيه مسجد عمر مكرم الذى خرج منه جثمان البطل ..

    وتساءل العامة فى فضول .. وهم يلقون نظرة على اللافته التى يحملها الجنود فى مقدمة الجنازة وتحمل اسم البطل

    ترى من يكون محمد نسيم


    لن أنســـاه مدي حياتي ... وأدعو الله دائما أن يرحمه ويسكنه واسع جناته





    د. يحي الشاعر

    avatar
    د. يحي الشاعر


    المساهمات : 201
    تاريخ التسجيل : 30/12/2019

    عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية Empty رد: عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية

    مُساهمة من طرف د. يحي الشاعر الخميس مايو 07, 2020 12:26 pm

    ملية تهريب السرّاج من سجن المزة





    بعد اعتقال السراج، وصلت معلومات الى الرئيس جمال عبد الناصر عن تعرض السراج في سجنه في المزة لابشع انواع التعذيب، و ان زوجته تكاد تفقد بصرها من شدة الحزن ، فقرر عبد الناصر تهريب السراج بأي طريقة، و تم وضع خطة اطلق عليها اسم “جمال”.

    و يتحدث سامي شرف عن تهريب السراج بقوله:

    “… بدأ جس نبض السلطات العليا في لبنان ممثلة باللواء فؤاد شهاب، و كان الرجل ايجابياً، و لكنه طلب فقط البعد عن توريط السلطات اللبنانية في نتائج قد تضر بامن لبنان وسلامته…وقمت بزيارة خاصة الى لبنان لمقابلة الرئيس شهاب، وللاشراف على تنفيذ الخطة…”.

    ويذكر شرف تفاصيل هذه الخطة التي تضمنت الاتصال بالمساعد منصور رواشدة (حارس السراج في السجن) لتأمين هروب السراج من باب السجن حتى مشارف دمشق، ودراسة طبيعة الارض وخطوط الاقتراب من دمشق حتى الحدود اللبنانية – السورية، بما في ذلك الطرق والوسائل التبادلية في النقل من الخيل والجمال والموتوسيكلات والسيارات وتفادي نقاط التفتيش بما فيها اللبنانية منعاً للحرج، اضافة الى ترتيب وجود غواصة مصرية امام السواحل اللبنانية في اتجاه مبنى السفارة المصرية، وان يتولى قيادة الطائرة المصرية التي ستصل الى بيروت لنقل السراج الى القاهرة
    الكابتن عبد الرحمن عليش.

    وتابع سامي شرف: “

    …كانت الاتصالات مع منصور رواشدة مستمرة ومؤمنة بمعرفة الزعيم اللبناني الكبير كمال جنبلاط واللواء شوكت شقير…واتفق مع منصور رواشدة على اليوم والساعة وكان هو الذي سيتولى في نفس الوقت تأمين خروج السراج من دمشق حتى الحدود اللبنانية، وكان لديه تلقين كامل عن الطرق التبادلية التي كان سيسلكها…وكنت انا في بيروت بالاتفاق والتنسيق مع الرجل الشريف سامي الخطيب…بتعليمات من الرئيس فؤاد شهاب في انتظار وصول السراج الى مشارف بيروت في نقطة متفق عليها من قبل”.

    النائب سامي الخطيب

    وفي اتصال معه اكد مشاركته في خطة تهريب السراج “لأن السراج كان رجلاً وطنياً…”.

    عملية تهريب السراج يرويها من جهته غسان زكريا ويقول:

    “…في اليوم المحدد، قام منصور الرواشدة بتغيير مناوبته في السجن مع زميل له، احضر بزة عسكرية…سربها الى الزنزانة كي يرتديها السراج…اخرج السراج من الزنزانة حاملاً بطانية تحت ابطه…مشى خلف الرواشدة…اخذ السراج يرمي البطانية، مشيا عليها، ثم يعود ويسحبها من جديد ويرميها امامهما لاخفاء دعساته…ظلا هكذا حتى وصلا الى سيارة منصور الرواشدة وكان قد تركها في ساحة قرب السجن…”.

    اما سامي شرف فيتابع: “…كان الاتفاق مع سفيرنا في لبنان عبد الحميد غالب واعضاء السفارة ان يكونوا طبيعيين في تصرفاتهم وتحركاتهم…حتى لا نلفت الانظار…المهم…وصل عبد الحميد السراج ومعه حارسه في السجن منصور رواشدة، وكان في استقباله الزعيم كمال جنبلاط، الذي اصطحبهما في سيارته الكاديلاك السوداء الخاصة الى منزل محمد نسيم في بيروت…


    وبمجرد وصول السرّاج الى منزل محمد نسيم تمت عملية تغيير ملامحه بشعر مستعار وشوارب…وقمت بعد ذلك بزيارة الرئيس فؤاد شهاب بصحبة السفير عبد الحميد غالب حيث ابلغته بوصول السراج الى بيروت وان المخطط هو سفره الى القاهرة في اسرع وقت حتى لا نسبب حرجاً للسلطات اللبنانية…

    واستجاب الرئيس شهاب وامر بأن يكون كل من احمد الحاج، مدير مكتبه، وسامي الخطيب تحت تصرفنا…

    قام سامي الخطيب بقيادة السيارة بنفسه في طريقه الى مطار بيروت…وكان يجلس بجواره محمد نسيم، وفي الخلف جلس السراج وسامي شرف ومحمد المصري ومنصور رواشدة، وكلنا نرتدي ملابس عسكرية لبنانية ما زلت احتفظ بها للآن، وكنا نبدو كاحدى دوريات الامن، واخترقت سيارتنا سور المطار من ثغرة اعدت على عجل…ووصلت السيارة الى المدرج مباشرة حيث وصلتها في اللحظة عينها الطائرة المصرية التي تحمل الصحافة المصرية الى بيروت يومياً…حيث ابلغ قائدها برج المراقبة ان هناك عطلاً مفاجئاً في الطائرة وفتح بابها واسقط سلمها من داخلها…


    وتم تنفيذ المتفق عليه من دون معوقات…دخلنا الطائرة واقلعت بنا وعليها عبد الحميد السراج، ومنصور الرواشدة، ومحمد المصري، وانا…ونظرنا الى بيروت ساطعة وهي تنام هادئة نظرة كلها حب وتقدير…ووصلنا الى مطار القاهرة…كانت الساعة تقترب من السابعة صباحاً…وطلب الرئيس جمال عبد الناصر ان نتوجه والسيد عبد الحميد السراج وانا الى منشية البكري لتناول الافطار معه…وفي اليوم التالي نشر خبر صغير من ثلاثة سطور في الصفحة الاولى بجريدة “الاهرام” عنوانه “عبد الناصر يستقبل عبد الحميد السراج بمنشيته الكبرى…” .



    د. يحي ألشاعر

    avatar
    د. يحي الشاعر


    المساهمات : 201
    تاريخ التسجيل : 30/12/2019

    عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية Empty رد: عملية عبد الحميد السراج ، "تهريبه من سجن المزة" في سوريا إلي مصر ... تفاصيل العملية

    مُساهمة من طرف د. يحي الشاعر الخميس مايو 07, 2020 12:26 pm




    https://www.ahram.org.eg/Archive/2000/4/19/OPIN4.HTM

    حقائق عن دور البطل الراحل محمد نسيم‏

    بقلم : عبد الهادي البكار


    في عدديها الصادرين يوم السبت‏25‏ ـ‏3,‏ ويوم السبت‏1‏ ـ‏4‏ـ‏2000‏ نشرت جريدة الأهرام مقالتين بقلم الأستاذ عادل حموده في مناسبة رحيل البطل المصري الصديق محمد نسيم‏,‏أشهر ضابط أنجبته المخابرات العامة المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين الذاهب
    ولأن المقالتين نشرتا في جريدة الأهرام الشهيرة برصانتها وموضوعيتها الرزينة‏,‏ ولأن كاتبهما هو الأستاذ عادل حمودة‏,‏ فقد أوليتهما من جانبي‏,‏ كقاريء عربي‏,‏ عناية استثنائية‏,‏ وحرصت علي أن أقرأهما قراءة متأنية ممحصة‏,‏ خاصة أن لي صلة صداقة أعتز بها‏,‏ كانت قد جمعتني بالصديق الراحل محمد نسيم‏,‏ الذي شاركنا وشاركناه النضال ضد‏(‏ عهد الانفصال‏)‏ في سوريا‏,‏ إلي أن تم تقويضه بثورة الثامن من آذار‏(‏ مارس‏)1963‏ التي سرعان ما شهدت تطورات محزنة ادت الي حدوث تصادم عنيف بين حزبي البعث في كل من دمشق وبغداد‏,‏ من ناحية‏,‏ وجمال عبد الناصر في القاهرة‏,‏ من ناحية أخري‏,‏ وهو التصادم الذي أوهن المد العربي القومي ذا التطلعات الوحدوية‏,‏ ونقله من حال المد‏,‏ الي حال الجزر الانتحارية‏.‏

    وبما أن السيرة الذاتية الموجزة‏,‏ للبطل الراحل محمد نسيم‏,‏ التي خصص لها الأستاذ عادل حموده مقالتيه هاتين‏,‏ تمحورت حول عدد من الوقائع المصرية والعربية التي شهدها عقدا الستينات والسبعينات من القرن العشرين الذاهب‏,‏ فقد كان علي التحديق جيدا في ما ساقه الأستاذ حموده من معلومات حول واقعتين تاريخيتين كانت لهما صلة عضوية مباشرة ببعض المهمات المخابراتية التي أنيطت بالبطل الراحل محمد نسيم‏,‏ فأداهما علي خير ما يكون الأداء الأمين البارع‏.‏
    وعلي هذا‏,‏ أسوق الملاحظتين الآتيتين‏:‏

    ‏1)‏ ذكر الاستاذ حموده في مقالته‏(‏ نجم من عالم السرية‏)‏ المنشورةفي أهرام السبت‏2000/3/25,‏ أن البطل الراحل محمد نسيم‏,‏ قام‏(‏ باختطاف‏)‏ عبد الحميد السراج من سجن المزة في دمشق‏,‏ الذي اعتقله فيه الانفصاليون السوريون عقب قيام حركتهم الانفصالية
    وهو أخطر السجون السورية وأكثرها إحكاما كما وصفه الكاتب ثم روي الأستاذ حموده حكاية ذلك‏(‏ الاختطاف‏)‏ علي النحو الآتي‏:‏
    وقد تسلل محمد نسيم في ملابس أحد حراس السجن‏,‏ ودخل زنزانة عبد الحميد السراج‏,‏ ونجح في إخراجه حتي الأسوار‏,‏ ثم قفزا معا من ارتفاع كبير‏,‏ وسبحا ساعات طويلة‏(‏ طوالا‏),‏ حتي وصلا الي بر الأمان‏..‏ وبعد ساعات أخري كان عبد الحميد السراج في بيروت‏,‏ وبعد أيام كان في القاهرة‏...‏ الخ‏..‏ وقد تضمن هذا العرض وقائع تفرض تصحيحها علي النحو الأتي‏:‏

    أ‏)‏ إن البطل الراحل محمد نسيم لم يقم بـ‏(‏ اختطاف‏)‏ عبد الحميد السراج‏:‏ ولم يدخل سوريا قط بعد قيام الحركةالانفصالية‏,‏وإنما هو كان مقيما في بيروت بصفته‏(‏ دبلوماسيا‏)‏ في السفارة المصرية في لبنان‏.‏ وهو بالتالي لم يتسلل مرتديا ملابس أحد الحراس الي زنزانةعبد الحميد السراج في سجن المزة‏,‏ بخاصة وأنه كان صاحب وجه معروفة ملامحه للسوريين في غالبيتهم‏.‏

    ب‏)‏ ما أعرفه جيدا أن عملية‏(‏ تهريب‏)‏ وليس اختطاف عبد الحميد السراج من سجن المزة ربيع‏1962,‏ نفذت بالتنسيق بين عدة أطراف سورية ولبنانية ومصرية‏,‏ بل إن تنفيذها تم ضمن إطار‏(‏ غض نظر ـ مقصود‏)‏ من قبل بعض أركان النظام الانفصالي في سوريا نفسه وبموافقة كل من اللواء عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش‏(‏ درزي‏),‏ وعبد الكريم النحلاوي‏,‏ والضابط مهيب الهندي‏,‏ بعد أن تبين لقادة الانفصال أن محاكمة عبد الحميد السراج ستشكل عامل إحراج لبعض أركان الحكم الانفصالي من السياسيين المدنيين الذين كان عبد الحميد السراج علي علم مؤكد بكل مباذلهم وأسرارهم العائلية‏,‏ والشخصية‏,‏ والمالية‏,‏ والسياسية التي ما كانت لتشرف أحدا منهم‏.‏

    وهكذا‏,‏ ومن خلال الصلة الحميمة التي كانت تربط اللواء عبد الكريم زهر الدين‏(‏ الدرزي‏)‏ بكل من المناضل كمال جنبلاط‏,‏ زعيم الطائقة الدرزية في لبنان‏,‏ وباللواء شوكت شقير الدرزي اللبناني‏(‏ الناصري‏)‏

    قائد الجيش السوري الأسبق‏,‏ تم وضع السيناريو الخاص بعملية هروب عبد الحميد السراج من سجن المزة‏,‏ علي النحو التالي‏:‏ أن يقوم الجندي الشاب منصور الرواشدة المسئول عن حراسة عبدالحميد السراج داخل السجن‏,‏ بفتح باب السجن الرابض فوق هضبة‏(‏ ربوة‏)‏ صخرية‏,‏ وأن يتسلل مع عبدالحميد السراج عبر باب السجن‏,‏ للهبوط في الطريق الضيقة النازلة‏,‏ علي الأقدام‏,‏ حيث كان احد الدروز اللبنانيين من اتباع ورفاق كمال جنبلاط‏,‏ في انتظارهما عند منعطف الطريق‏,‏ وان يتوجه الثلاثة قبل انبثاق ضوء الفجر‏,‏ علي اقدامهم‏,‏ الي منطقة الحدود السورية اللبنانية عبر المناطق الجبلية‏,‏ وصولا الي بلدة‏(‏ المختارة‏)‏ مربض الزعيم كمال جنبلاط حيث كان سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات ومعه ضابط المخابرات محمد نسيم‏,‏ وشوكت شقير‏,‏ ينتظرون وصول عبدالحميد السراج وحارسه الجندي السوري منصور الرواشدة‏,‏ في منزل كمال جنباط‏,‏ وهناك‏,‏ تحت اشراف سامي شرف المباشر‏,‏ قام محمد نسيم بوضع ماكياج علي وجه عبدالحميد السراج لاخفاء ملامحه الحقيقية‏,‏ وتم تزويد السراج بجواز سفر باسم مستعار‏,‏ ثم توجه سامي شرف وعبدالحميد السراج وحارسه منصور الرواشده‏,(‏ وقد تم تزويده هو الآخر بجواز سفر باسم مستعار‏)‏ ومعهم محمد نسيم‏,‏ الي بيروت‏,‏ حيث تم اخفاء السراج في منزل محمد نسيم وأفراد عائلته‏,‏ ثم نقله عبر مطار بيروت‏,‏ تحت إشراف سامي شرف المباشر‏,‏ الي القاهرة ومعه حارسه الرواشده‏,‏ حيث استقبلهما الرئيس جمال عبد الناصر في منزله في منشية البكري‏.‏

    ج‏)‏ من ذلك يتبين أن دور محمد نسيم في عملية هروب عبدالحميد السراج من سجن المزة في دمشق‏,‏ بدأ منذ وصول السراج وحارسه الرواشدة‏,‏ واحد مساعدي كمال حنبلاط‏,‏ الي الأرض اللبنانية في المنطقة الحدودية السورية اللبنانية‏.‏

    د‏)‏ كذلك يتبين مما سبق أن محمد نسيم لم يتسلل قط الي داخل سجن المزة‏,‏ ولم يقفز مع السراج من ارتفاع كبير ولم يسبح مع السراج ساعات طويلة حتي وصلا الي بر الأمان‏,‏ خاصة أنه ليس ثمة من‏(‏ بحر‏)‏ أو‏(‏ نهر‏)‏ يحيط بسجن المزة الذي تحيط به ارض صخرية من جوانبه الأربعة
    ‏2)‏ أسند الأستاذ عادل حموده في مقالته‏(‏ إعلان الحرب‏,‏ واعلان الحب‏)‏ المنشورة في أهرام السبت‏1‏ ـ‏4‏ ـ‏2000‏ شرف البطولة التي تولت عملية التخطيط‏,‏ وعملية التنفيذ الخاصتين بنسف‏(‏ الحفار‏)‏ متعدد الجنسيات الي البطل الراحل محمد نسيم الذي سيبقي اسمه خالدا في سجل البطولات المجيدة التي حققتها المخابرات العاملة المصرية الباهرة المشرفة لكل عربي‏.‏

    إلا أن هذا الاسناد‏,‏ أغفل ما لا ينبغي أن يغفل‏,‏ وهو الدور القيادي المشرف الذين قام به أمين حامد هويدي‏,‏ رئيس المخابرات العامة المصرية وزير الحربية عقب نكبة‏1967,‏ فهو الذي اقترح علي جمال عبدالناصر نسف‏(‏ الحفار‏)‏ متعدد الجنسيات قبل بلوغه البحر الأحمر‏,‏ وقد استحسن جمال عبد الناصر اقتراح هويدي هذا‏,‏ واعطاه الا ذن بالتخطيط والتنفيذ‏,‏ وقد استمر هويدي من موقعه القيادي هذا‏,‏ يشرف علي كل صغيرة وكبيرة في عملية التخطيط والمتابعة‏,‏ وهو الذي أوكل الي بطلنا الخالد محمد نسيم مهمة التنفيذ الميداني للعملية‏.‏

    ويذكر أمين حامد هويدي في كتابه‏(‏ الفرص الضائعة‏)‏ الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت عام‏1992(‏ الصفحة‏155)‏ أن المبادرة الخاصة بفكرة نسف الحفار‏Kenting‏ الاسرائيلي متعدد الجنسيات كانت منا أي من رئاسة المخابرات العامة المصرية أما الجنسيات التي كان ينتمي اليها الحفار فكانت انجليزية ـ أمريكية ـ كندية ـ هولندية‏,‏ مختلطة‏.‏ كذلك يذكر أمين حامد هويدي في الصفحة‏156‏ من مؤلفه القيم هذا ما يأتي‏:‏

    وبعد أن أعدت كافة الترتيبات اختير الضابط الميداني للإشراف علي تنفيذ العملية‏..‏ محمد نسيم‏..‏
    وما لم يذكره أمين حامد هويدي‏,‏ أن فريق الضفادع البشرية الذين قاموا بتلغيم وتفجير الحفار الاسرائيلي في ميناء أبيدجان‏,‏ وبرفقتهم قائدهم‏,‏ في الساعة الخامسة من فجر‏8‏ ـ‏3‏ ـ‏1970,‏ حرصوا وهم في طريقهم الي مطار القاهرة الدولي للتوجه منه الي أبيدجان‏,‏ علي أن يعبروا بالفيلا رقم‏31‏ في شارع الدكتور حجاب في الحي الثاني من مساكن الضباط في مصر الجديدة حيث يقيم رئيس المخابرات العامة وزير الحربية أمين حامد هويدي‏,‏ لتوديعة‏,‏ وهو أسير فراش المرض‏,‏ يعاني من ارتفاع الحرارة الشديد‏,‏ مراوحا بين الصحو والاغماء وحين قام هويدي ـ من بعد ـ بتوزيع النياشين علي أبطال العملية‏,‏ في احدي حجرات مقر المخابرات العامة المصرية‏,‏ بأمر صادر عن الرئيس جمال عبدالناصر‏,‏ كان صدر وهو الصدر الوحيد الذي لم يوسم بنيشان ثم‏,‏ بعد أشهر قلائل‏,‏ فاضت روح جمال عبد الناصر الي بارئها‏,‏ دون ان تتمكن اسرائيل قط‏,‏ من بلوغ الثروة النفطية المخزونة في بطونها تحت ارض سيناء وخليج السويس‏,‏ بحفار آخر بديل‏...‏ وقد كان الفضل في هذا الانجاز الوطني المصري العربي القومي‏,‏ لأمين حامد هويدي أولا‏,‏ ولمحمد نسيم ثانيا ولكل أفراد المجموعة التي أسهمت في التخطيط لهذه العملية‏,‏ وتنفيذها علي هذا النحو المشرف البطولي الذي انقذ الثروة النفطية المصرية في خليج السويس وشبه جزيرة سيناء من القرصنة والاستلاب قبل أن تسترد مصر المقتدرة‏,‏ في حرب‏1973‏ أرضها المغتصبة وثروتها النفطية التي كانت مرشحة للاستلاب عقب نكبة‏1967,‏ الا أن المخابرات العامة المصرية‏,‏ في عهد رئيسها أمين حامد هويدي‏,‏ عرفت كيف تصون هذه الثروة من القرصنة التي كادت تحقق هدفها لولا نسف الحفار كينتينج في أبيدجان وفي ربيع‏1970..‏










    د. يحي ألشاعر


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 12:49 am