كي لا ننسي : ١٢٠ ألف مصري ماتوا في حفر قناة السويس ..
والصعايدة رفضوا خلع العمائم
"................
٢٦/ ٧/ ٢٠٠٦
في أواخر ديسمبر ١٨٥٥ وصلت اللجنة الدولية التي شكلها ديليسبس إلي مدينة «الفرما» التي تقع علي بعد ٢٨ كم من مدينة بورسعيد الحالية لدراسة تقرير «لينان وموجيل» وهما المهندسان الفرنسيان اللذان كانا يعملان كبيري مهندسين في الحكومة المصرية واللذان أثبتا عملياً إمكانية شق قناة مباشرة بين السويس والفرما، وأكدا صحة اكتشاف بولان تالابو عضو جمعية قناة السويس التي كونها «آلسان سيمنين» بتساوي منسوبي البحرين المتوسط والأحمر وقضي بذلك علي خرافه ارتفاع منسوب البحر الأحمر بثلاثين قدماً والتي وقع فيها «لوبيير» بعد تكليفه بدراسة المشروع عام ١٧٩٩ من قبل نابليون بونابرت خلال الحملة الفرنسية علي مصر.
وأمضت اللجنة الدولية ثلاثة أيام درست خلالها الساحل وبحثت إمكانية إنشاء ميناء علي الساحل، وتحديد نهاية القناة ومنفذها علي البحر، وتأكدت من خلو الشاطئ من طمي النيل الذي كان يخشي من تأثيره علي القناة المزمع إنشاؤها.
وتوصلت اللجنة إلي أن العمق اللازم لملاحة السفن الكبيرة و هو ثمانية أمتار يتوفر في المنطقة الغربية من الخليج البيلوزي حتي دمياط ولايتوفر في المنطقة الشرقية، وأثبتت اللجنة سهولة إنشاء ميناء ومدخل للقناة مباشرة علي الخليج البيلوزي علي بعد ٢٨ كيلو متراً غرب الفرما، والموقع الذي أصبح الآن، مدينة بورسعيد لم يكن سوي شريط ساحلي يتراوح عرضه مابين أربعين إلي خمسين متراً بين البحر المتوسط وبحيرة المنزلة، الأمر الذي يشبه تماماً اختيار الاسكندر الأكبر لموقع مدينة الإسكندرية فوق
شريط ضيق يفصل بين البحر المتوسط وبحيرة مريوط.
وفي ٢٥ أبريل عام ١٨٥٩ بدأ تنفيذ مشروع القناة عند ساحل البحر المتوسط وهذه البقعة كانت الأقرب إلي أوروبا التي تستورد منها معدات الحفر وآلات الإنشاء، بذلك ضمنت شركة قناة السويس المرحلة الأولي من المشروع، وهي حفر قناة من البحر المتوسط حتي بحيرة التمساح ثم السويس، واستخدام ما يتم إنجازه من القناة لنقل المعدات إلي الجزء الذي يليله. وقد استهل ديلسبس احتفاله ببدء الحفر برفع العلم المصري ثم ألقي كلمة قال فيها باسم شركة قناة السويس العالمية البحرية وتنفيذاً لقرار مجلس إدارتها نضرب أول معول في هذه الأرض ليفتح أبواب الشرق لتجارة الغرب وحضارته عن طريق مدخل الشرق، ثم ضرب أول ضربة معول واتجه بعدها إلي العمال المصريين وكانوا مائة وخمسين عاملاً من أبناء دمياط قائلاً: سوف يبدأ كل منكم بمعوله في عمليات الحفر كما فعلنا نحن الآن، واذكروا أنكم بهذا لاتحفرون الأرض فقط، ولكن ستجلبون الرخاء لأسركم ولبلادكم، ونظراً لتعرض منطقة العمل لغمر مياه البحر والبحيرة فقد أقيمت جسور رملية بارتفاع متر ونصف المتر في مواجهة البحر من الشمال والبحيرة من الجنوب والغرب وتمت الاستعانة بخط سكك حديديه وثمانية قاطرات لنقل ناتج الحفر لمواقع الردم.
وتفاوتت معدلات العمل وأعداد العاملين ووصلت ذروتها بعد تولي الخديو إسماعيل الحكم في عام ١٨٦٣ والذي كان متحمساً للمشروع فدفع بنصف مليون عامل للمشروع استشهد منهم مائة وعشرون ألفا جراء العطش والجوع والتعرض للأوبئة وقد شهدت مواقع الحفر عدة تمردات من العمال المصريين علي رؤساء العمل، بدأت عندما طلب الفرنسيون من أبناء الصعيد خلع عمائهم التي اعتبروها تقلل من جهد العمل وارتداء البرنيطة بدلاً منها لكن الصعايدة رفضوا بحسم ومع ازدياد وطأة العمل وتعبه بدأت حالات فرار جماعي قادها أبناء الصعيد وكانت تبدأ بإلقاء رؤساء العمل في مواقع الحفر، وعندما ازدادات أعمال التمرد شكا ديليسبس إلي الخديو الذي أوفد بدوره الضابط الشركسي إسماعيل باشا حمدي والذي أصبح بعدها مديراً لبورسعيد «محافظاً» وعند وصوله أقام فيها بزعماء التمرد وأمر رؤساء العمل بتحديد مساحة للحفر لكل عامل تحدد بالجير وفي ١٧ نوفمبر ١٨٦٩ تم افتتاح قناة السويس بطول ١٧٣كم في حفل صاخب شارك فيه العديد من ملوك وأمراء أوربا وعلي رأسهم الإمبراطورة «أوجيني» زوجة نابليون الثالث إمبراطور فرنسا.
عمال حفر قناة السويس
يتناول هذا المقال، العمال المصريون الذين قاموا بحفر قناة السويس منذ بدأ أعمال الحفر عام 1859 حتى انتهائها بعد عشر سنوات عام 1869. تم حفر 165 كم بعرض 190 متراً وعمق 58 قدماً واستخراج 74 مليون متر مكعب من الرمال عن طريق نحو مليون مصري وذلك فى وقت كان عدد سكان مصر أصلاً أقل من 4 ملايين ومات أكثر من 120 ألف مصرى فى أثناء الحفر من الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة. ومعظمهم لم يستدل على جثمانه ودفن فى الصحراء أو غرقاً تحت مياه القناة أو الردم الحكاية طويلة. ومادمنا على مشارف عهد جديد تعلو فيه قيمة الإنسان المصرى ويصبح لحياته ثمن. فالأولى أن نغلق حساباتنا القديمة أولاً.[1]
خلفية
في عهد محمد علي باشا، وتحديداً عام 1847، فقد ذكرت الوقائع المصرية أن مهندسين حضروا من أوروبا لعمل أبحاث هندسية للتأكد من عدم تفاوت منسوب المياه بين البحرين المتوسط والأحمر، تمهيداً لإنشاء قناة ملاحية تصل بينهما،
وقد اصطحب المهندسون الأوروبيون سبعة من المهندسين المصريين، وتم البدء فى إعداد ميزانية للمشروع بسبب ارتفاع الأرض بين البحرين، وكان تعداد مصر آنذاك أربعة ملايين ونصف المليون نسمة.
وفي عهد عباس باشا الأول، الذى كانت سياسته رجعية انكماشية، كما كان يهدف للتخلص من الأجانب، وكان عداؤه للفرنسيين مستحكماً، حدثت انفراجة فى علاقته بالإنجليز الذين نجحوا فى أيامه فى ترجيح مشروعهم الخاص بجعل مصر مركزاً للمرور للتجارة الشرقية والهندية، خاصة لتسهيل ارتباط إنجلترا بمستعمراتها فى الهند، وليعطلوا الحلم الفرنسى القديم بإنشاء قناة ملاحية.
وفى عام 1851 عرض الإنجليز على الخديوي عباس رصف الطريق من السويس إلى القاهرة، ثم إنشاء خط سكة حديد من القاهرة إلى الإسكندرية، لكن المشروع توقف بسبب مقتل عباس فى قصره فى بنها، إلى أن عرض ديليسبس الفكرة على الخديوي محمد سعيد باشا، ولهذا قصة طريفة، فقد كان سعيد يشاهد ديليسبس وهو يقفز بجواده، وقد أعجبته قفزته،
ووجد ديليسبس هذه فرصة مواتية لعرض الفكرة، فلم يتردد سعيد فى منحه الامتياز، حتى إن ديليسبس استخف بالأمر وذكر ذلك فى مذكراته حيث قال: «جمع سعيد باشا قواده وجنده وشاورهم فى الأمر ولما كانوا على استعداد لتقدير من يجيد ركوب الخيل ويقفز بجواده من على الحواجز والخنادق أكثر من تقديرهم للأكثر خبرة وتخصصاً وأكثر كفاءة علمياً» سعيد باشا نفسه قال بعد أن منح الامتياز لديليسبس «أعترف بأنى لم أفكر فى الموضوع كثيراً، وإنما هى مسألة شعور».
كراكة في حفر قناة السويس.
حفر حوض الترسانة بميناء بورسعيد.
بورسعيد – الكيلومتر 2.
كراكة 4,50 متر في حفر قناة السويس.
عوامة استراحة أثناء إنشاء قناة السويس.
الإسماعيلية أثناء حفر قناة السويس.
الحفر في الإسماعيلية.
.............."
- يتبع -
د. يحي ألشاعر