د. يحي ألشاعر- Admin
- المساهمات : 318
تاريخ التسجيل : 06/10/2018
الموقع : http://www.oocities.org/yahia_al_shaer/
من طرف د. يحي ألشاعر السبت أكتوبر 06, 2018 12:04 pm
محاور سيناء الاستراتيجية
محاور سيناء الاستراتيجية
فإذا بدأنا بثلاثية المحاور، وجدنا ثلاث مجموعات من الطرق الشريانية العرضية التي تستحيل الحركة الميكانيكية خارجها (كما توضح خريطة استراتيجية سيناء العسكرية):
محور الشمال، الذي يوازي الساحل.
محور الجنوب، الذي يصل بين زاوية البحر المتوسط قرب رفح ورأس خليج السويس.
محور الوسط، الذي يترامى كقاطع بين زاوية البحر المتوسط وبين منصف قناة السويس عند بحيرة التمساح.
وبنظرة عامة يمكن رؤية أن الطرق الثلاثة ترسم معاً شكل مروحة أو حزمة مجمّعة في أقصى الشمال الشرقي، قرب التقاء الحدود السياسية وساحل البحر المتوسط. ومفتوحة في الغرب والجنوب الغربي بطول قناة السويس. غير أننا إذا أضفنا فرعاً جنوبياً أقصى للمحور الجنوبي، يمتد ما بين رأسي خليجي السويس والعقبة، لتحول النمط العام إلى شكل حرف (Z).
ويُعد محور الشمال أو الساحلي الطريق التاريخي، طريق القوافل، الذي عبرته جيئة وذهاباً عشرات الجيوش فضلاً عن قوافل التجار، والذي يرسمه خط السكة الحديدية الوحيد عبر شبه الجزيرة، ويجاوره طريق بري رئيسي، وإن يكن صعباً نوعاً للسيارات. ينحصر المحور ويتحدد بين مستنقعات الساحل الرخوة الهشة من الشمال، وبحر رمال الكثبان الشاسعة المفككة التي لا يمكن أن تخترقها المركبات الميكانيكية من الجنوب. الطريق غني بالآبار وموارد المياه نسبياً، ولكن الإنجليز في الحرب الأولى اضطروا إلى تعزيزه بأنبوب من مياه النيل عبر القناة.
أما ساحل البحر المتاخم، فضحل رسوبي لا يصلح لاقتراب أو رسو السفن الكبيرة، وإن أمكن للسفن الصغيرة أن تدخل موانيه الرئيسية. غير أن الطريق البحري ليس منافساً أو بديلاً للمحور الأرضي. ومن الناحية الأخرى تستطيع المدفعية البحرية الحديثة بعيدة المدى، أن تقصف من عمق البحر وتضرب أجناب المحور. كذلك يمكن لوحدات القوات الخاصة والضفادع البشرية، أن تتسلل إليه من البحر لتضرب مراكزه. وهذا ما فعلته القوات البحرية المصرية الفدائية والخاصة مراراً وبنجاح كبير في حرب أكتوبر.
ويبدأ المحور من القناة عند القنطرة، التي تحدد نهاية بحيرة المنزلة الجنوبية وبداية أول أرض صلبة بعدها، وتستمد القنطرة اسمها من أنها كانت "قنطرة العبور" على فرع النيل البيلوزي في العصور العربية الوسطى. ومن القنطرة يتجه المحور باتجاه الشمال الشرقي، موازياً لسهل الطينة الرخو وبعيداً عنه، ثم ينثني شرقاً قرب بالوظة[1]، ثم يمر برمانة[2]، فقاطية، ثم بير العبد على طرف بحيرة البردويل. ومن البحيرة يمضي المحور إلى العريش، فالشيخ زويد، فرفح حيث يتصل بطريق الساحل في فلسطين.
ونظراً لأهمية المحور التاريخي، نجد كثيراً من معارك مصر، أو بالأحرى معارك مصر في سيناء، دارت غالباً ـ إن لم نقول دائما ـً في نهايتيه في أقصى الشرق والغرب، أو رفح وبيلوزيوم (الفرما) على الترتيب. حدث هذا في العصر البطلمي، وتكرر أيام الرومان، ومراراً مع العرب.
ويمكن القول بصفة عامة: إن المحور الشمالي كان أهم خط استراتيجي في سيناء في العصور القديمة، ولكنه في العصر الحديث، عصر الحرب الميكانيكية، فقد هذه الصدارة للمحور الأوسط.
أما محور الوسط، فهو المحور القاطع الذي يمتد بين الإسماعيلية وأبو عجيلة. وهو العمود الفقري بلا نزاع في محاور سيناء الاستراتيجية الثلاثة، ويعد اليوم طريق الخطر الأول بلا شك. وقد كان محور تحرك القوات البريطانية بين مصر وفلسطين دائماً، كما ركزت عليه إسرائيل في كل عدوان شنته ويرجع ذلك إلى أنه صالح تماماً لتحرك الحملات الميكانيكية الثقيلة، إذ يترامى على صلب السهول الهضبية الثابتة وإن اعترضته بعض حقول الكثبان الرملية. هذا إلى أنه يؤدي مباشرة إلى قلب الدلتا في مصر عن طريق وادي الطميلات. وهو كذلك يؤدي شرقاً إلى قلب هضبة فلسطين الداخلية، ومن هنا كان يعرف "بطريق الشام". وينحصر المحور بين نطاق الكثبان الرملية وبعض كتل الجبال المنعزلة في الشمال، وبين القاطع الجبلي الأساسي في الجنوب. ومن هنا يتحكم في، أو تتحكم فيه، فتحة جبلية حاسمة تعد مفتاح المحور كله.
يبدأ المحور على القناة إزاء الإسماعيلية، التي تصبح بذلك الهدف الطبيعي الأول لكل من يهاجم مصر والقناة من الشرق. وبعدها يتبع ممر الحتمية المهم الذي يقع بين جبل الحتمية شمالاً، وجبل أم خشيب جنوباً. ثم يستمر المحور شرقاً حتى يصل إلى مضيق الجفجافة الذي يُعد الفتحة الحاسمة بين جبل المغارة في الشمال، وكتلة جبل يلق الصعبة في الجنوب. وبعد المضيق يتجه شمال شرق حيث تحدده فتحة أخرى ثانوية تنحصر بين جبل لبنى في الشمال وجبل الحلال في الجنوب. وبعد ذلك يستمر المحور حتى يصل إلى أبوعجيلة، حيث يتصل المحور الأوسط بالمحور الشمالي لأول مرة في الرحلة، ومن هناك يؤدي إلى قلب إسرائيل.
المحور الجنوبي، يمتد ما بين السويس والقسيمة. وهو خط اقتراب أقل أهمية من محور الوسط، إذا لا يصلح إلا للحملات الخفيفة، كما يعتبر غير مباشر وبعيد نسبياً عن أقطاب الصراع على جانبي سيناء. وهو بعيد عن الكثبان الرملية، ولكن تعترضه العوائق الجبلية، وإن أفاد من فتحاتها كما يفيد من بطون روافد وادي العريش.
يبدأ المحور من السويس التي تستقطب كل الأهمية الاستراتيجية لرأس الخليج، وذلك باعتبارها مدخل القناة، ومركز عمراني وصناعي، فضلاً عن أنها تؤدي بطرق السيارات والسكة الحديدية المباشرة إلى القاهرة رأساً. ومن السويس يتجه المحور إلى الكوبري والشط، وبعدهما يصل إلى ممر متلا، الفتحة الجليلة الحاكمة للمحور بأسره والتي منها يمكن تحديد الحركة عليه وإيقاف الزحف المعادي فوقه.
ومن هنا تأتي أهمية الممر الدفاعية القصوى عن السويس فالقناة فالقاهرة . وبعد الممر يتجه المحور شمال شرق إلى أعالي وادي البروك، الذي يستفيد منه المحور، ويتبعه هو وأودية أخرى مجاورة، ومنها يمضي إلى الجنوب من جبل الحلال إلى أن يصل إلى القصيمة قرب الحدود مباشرة. وهنا من القصيمة يتصل المحور الجنوبي الأوسط شمالاً عند أبوعجيلة، وبذلك يصب المحور هو الآخر في قلب وسط فلسطين.
تلك هي محاور سيناء الاستراتيجية الأساسية الثلاثة، إلا أن هناك محوراً فرعياً (أو رابعاً) يخرج من المحور الجنوبي متجهاً إلى رأس النقب على نهاية خليج العقبة. فبعد ممر متلا، تتجه هذه الشعبة ناحية الجنوب الشرقي، مارة بنخل على وادي العريش الرئيسي وفي قلب شبه الجزيرة. وبعد ذلك تصل إلى التمد على وادي العقبة، وأخيراً إلى رأس النقب على الحدود قرب طابا المصرية والعقبة الأردنية (وبينهما الآن إيلات إسرائيل).
وعند التمد تخرج من المحور شعبة نحو الشمال الشرقي إلى الكونتيلا، آخر النقاط العسكرية المصرية الداخلية على الحدود جنوباً.
هذا المحور هو بالطبع طريق الحج القديم، "درب الحج"، الذي فقد أهميته بعد تحول الحج إلى طريق السويس البحري، فضلاً عن الطريق الجوي. وهو يسير على أرض صلبة ولكنها صعبة. ومن الواضح أن الطريق غير مباشر وبعيداً للغاية عن مركز مسرح القتال، لكنه وارد دائماً كبديل أو كمفاجأة استراتيجية، وقد استغله العدو الإسرائيلي في حرب يونيو إلى أبعد حد. والواقع أن أخطار هذا المحور العسكرية يمكن أن تزداد بتقدم وتزايد العمران في النقب وزحفه نحو الجنوب مستقبلاً.
[1] بالوظة تحريف بيلوز، أي بيلوززيوم القديمة، وهي مصب الفرع البيلوزي القديم.
[2] رمانة تحريف روماني.
.............."
د. يحي ألشاعر